الرئيسية
حسن عبد الموجود
لا تصلح المقدمات العادية مع خيري شلبي، فأعماله الروائية والقصصية تقدمه باعتباره واحدا من أهم كتاب جيل الستينيات، كما أن هناك صعوبة في محاورته، منشؤها أنه واحد من المشاركين بقوة في الحياة العامة، فهو تقريبا يعلن رأيه فيما يحدث حوله من خلال مقالاته الصحفية التي ينشرها بانتظام في عدد من الجرائد والمجلات المختلفة، ولهذا كان الأنسب أن تتم محاورته حول رأيه في بعض الأمور التي قد يتفوه بها البعض في جلساتهم الخاصة ولكنهم لا يوجٌهونها إليه بشكل مباشر، ومنها العلاقة التي تربطه بزملائه من جيل الستينيات ورأيه بوضوح فيما يكتبه الشباب، ومعاداته لشعر العامية أثناء رئاسته لتحرير مجلة الشعر، وغيرها من القضايا التي تحدث عنها بعفوية وصراحة شديدين!
يشعر البعض أنٌ هناك قطيعة بينك وبين زملائك من جيل الستينيات.. إذا كان هذا حقيقيا فلماذا؟
أنا أتميز عن جيلي كله بأنني أقرأهم جميعا، وأشك أنهم يفعلون ذلك، كما أتابع الجيل اللاحق علينا، السبعينيين، مثل محمود الورداني، ويوسف أبو رية، ومحمد المخزنجي، وتوجد علاقة حميمية بيني وبينهم..
وما الأسباب وجهة نظرك التي تقف خلف القطيعة بينكم أو عدم اهتمام بعضهم بأعمالك؟
ربما يكون ذلك بسبب التعصب السياسي، أو التجربة السياسية التي غيٌرت النفوس، لكن لم تصل لحد القطيعة، بالإضافة إلي إحساس بعضهم بأهميته الذاتية، فكل واحد له حزب يوهمه بأنه الأهم والأول، وهم لا يفعلون شيئا سوي الكتابة عنه فقط، أخباره وأعماله، ويتجاهلون الآخرين، ونحن للأسف لم تتم تربيتنا سياسيا بشكل جيد لأننا من سوء الحظ نشأنا في ظل الحزب الواحد الذي لا بد وأن يتم إجبارك علي الانضمام إليه..
المجتمع الطلابي سيطرت عليه منظمة الشباب وشوٌهت أفكاره وخلقت بداخله صراعات لا نزال نعاني منها حتي الآن، وجيلنا حتي الآن محكوم بمنطق أعضاء منظمة الشباب الستينية!
وما الذي يجبرك علي متابعتهم؟
أنا أستفيد من ذلك لأن معرفتي بهم تمكنني من معرفة نفسي جيدا، كما أنها تجنبني سككهم، بالإضافة إلي أنني أستفيد من حماسة الشبان، فأنا أقرأهم لأستفيد أولا وأخيرا، يقول جلال الدين الرومي: كل خشب يحمل رائحة ، فالشبان بالتأكيد مختلفون عنا، ودرجة الحرارة التي يكتبون بها لا تزال في عنفوانها، والقراءة لهم وهم في عنفوان مراحلهم ينقل تلقائيا هذه الحماسة، ويضيف إليك مفردات عقولهم!
هناك عودة إلي فكرة البساطة الآن في الأعمال الروائية، وأنت تحدثت قبل الحوار عن وصايا إيتالو كالفينو وأهمها فكرة البساطة، في وجهة نظرك هل العودة إلي البساطة به نوع من الحنين إلي الكلاسيكية؟ قبل أي شيء ينبغي القول إن الكتابة ببساطة شيء، والاستسهال شيء آخر، معاني الوضوح والخفة والبساطة مطاطة، وأنا أحذر منها، ولذلك لا بد أن تدرس أكاديميا، الآن لا أري إلا التسطيح، والتعثر، تعثر الشبان، تجاربهم بها رغبة في عمل شيء، ولكنهم يقعون في أخطاء ناتجة عن الجهل، وقلة الثقافة، أو عدم الموهبة، ويهمني أن أنصحهم بأن يكتبوا ببساطة، والبساطة لا تأتي إلا من خلال تجربة ناضجة، والحكمة والخبرة لا يتأتيان إلا مع الأيام، حيث تزداد اللغة نضوجا وكثافة، وتعرف كيف تستطيع التعبير عن أشياء ومعان كثيرة بكلمات قليلة، وللأسف من الشبان من يكتب وفقا لانفعاله دون أن يقيٌد نفسه بأمر ما، لا بتكنيك ولا بطريقة في الكتابة ولا بأي شيء..
بعض الشباب يؤكد أن الفضل في منجزهم يعود إلي الغرب، بمعني أنهم لا يدينون إلي أعمالكم، وبمعني آخر أن هناك قطيعة بين ما تكتبونه وبين ما يكتبونه..ما رأيك؟
هذا غير صحيح علي الإطلاق، وهو ادعاء لكل الأجيال، القطيعة لا تجوز ولا يمكن أن تتحقق فعليا، أنت لا تستطيع أن تتخلص من تأثير أحد بشكل نهائي، لأنك بهذا المعني تقول أنك تستطيع أن تتخلص من تراث، ولكن تستطيع أن تموٌه علي نفسك، وتقنع ذاتك بأنك مختلف عن الآخرين، ومع هذا ستجد أنك دون أن تدري تستخدم لغة السابقين ومنجزاتهم، فبدونها لا تستطيع أن تفعل شيئا، إلا بعد تجارب عديدة تستطيع فيها أن تكوٌن ملكاتك الخاصة، ولكن في كل الحالات لا تحدث القطيعة إطلاقا..
ومن هو الكاتب الشاب الذي تعتبره امتدادا لك؟
الشاب الذي أعتبره امتدادا لي، وأفخر به هو من يستطيع أن يقدم ما لم أستطع التعبير عنه، ولكن أتحفظ علي من يحاكون تجارب السابقين..
قلت مرة أن الشاب لا يستطيع أن يتخلص من تأثيرات الآخرين وتعود الآن لتتحفظ علي ذلك..ما الصحيح؟
في بداية الحياة الفنية لا يكون مطلوبا التخلص من التأثيرات بشكل نهائي، بل الاستفادة بها لخلق الأدوات والعوالم الخاصة، العوالم أكثر اتساعا من أن يحتجزها كاتب لنفسه..
ولكن هناك صعوبة كبيرة في أن يكون هناك كاتب امتدادا لك، فأنت دائما ما تعلن أن الجدد يلعبون في الملعوب فيه !
أنا أكتب عن عالم القاع والمهمشين، ومن الممكن أن يخرج كاتب آخر أقرب إلي هذا العالم مني، وتكون عدسته ثاقبة ولغته أكثر إيجازا وإيحاء وفي هذه الحالة أنا أرحب به..
هناك كتاب من الستينيات مثل إدوار الخراط يحملون كل قصاصة يكتبونها أو تتم كتابتها عنهم، ولكنك لم تهتم بهذا علي الإطلاق وأضعت معظم أرشيفك..لماذا؟
كنت بلا بيت لفترة طويلة جدا، وكان لي أكثر من عشرة أصدقاء في القاهرة وضواحيها، غالبا كنت أترك حقيبة عند كل واحد منهم، لأن الحقيبة كانت تتحول إلي عبء ثقيل، وعندما كان أحدهم يستضيفني لمدة ليلة كنت أطلب إليه أن أترك الحقيبة، وقد احتفظ بعضهم بها والبعض تخلٌص منها، وحينما كان يتوفر المال معي كنت أقيم في غرفة بسطوح إحدي البنايات المكونة من سبعة أدوار، ولم تكن هذه الغرفة تحتوي سوي علي سرير واحد، كنت أعلق ملابسي علي عواميده، وفي ظل تلك الظروف لا يستطيع الفرد أن يفكٌر في التأريخ لنفسه، لأنها كانت مرحلة من الضياع الكامل.
لا تصلح المقدمات العادية مع خيري شلبي، فأعماله الروائية والقصصية تقدمه باعتباره واحدا من أهم كتاب جيل الستينيات، كما أن هناك صعوبة في محاورته، منشؤها أنه واحد من المشاركين بقوة في الحياة العامة، فهو تقريبا يعلن رأيه فيما يحدث حوله من خلال مقالاته الصحفية التي ينشرها بانتظام في عدد من الجرائد والمجلات المختلفة، ولهذا كان الأنسب أن تتم محاورته حول رأيه في بعض الأمور التي قد يتفوه بها البعض في جلساتهم الخاصة ولكنهم لا يوجٌهونها إليه بشكل مباشر، ومنها العلاقة التي تربطه بزملائه من جيل الستينيات ورأيه بوضوح فيما يكتبه الشباب، ومعاداته لشعر العامية أثناء رئاسته لتحرير مجلة الشعر، وغيرها من القضايا التي تحدث عنها بعفوية وصراحة شديدين!
يشعر البعض أنٌ هناك قطيعة بينك وبين زملائك من جيل الستينيات.. إذا كان هذا حقيقيا فلماذا؟
أنا أتميز عن جيلي كله بأنني أقرأهم جميعا، وأشك أنهم يفعلون ذلك، كما أتابع الجيل اللاحق علينا، السبعينيين، مثل محمود الورداني، ويوسف أبو رية، ومحمد المخزنجي، وتوجد علاقة حميمية بيني وبينهم..
وما الأسباب وجهة نظرك التي تقف خلف القطيعة بينكم أو عدم اهتمام بعضهم بأعمالك؟
ربما يكون ذلك بسبب التعصب السياسي، أو التجربة السياسية التي غيٌرت النفوس، لكن لم تصل لحد القطيعة، بالإضافة إلي إحساس بعضهم بأهميته الذاتية، فكل واحد له حزب يوهمه بأنه الأهم والأول، وهم لا يفعلون شيئا سوي الكتابة عنه فقط، أخباره وأعماله، ويتجاهلون الآخرين، ونحن للأسف لم تتم تربيتنا سياسيا بشكل جيد لأننا من سوء الحظ نشأنا في ظل الحزب الواحد الذي لا بد وأن يتم إجبارك علي الانضمام إليه..
المجتمع الطلابي سيطرت عليه منظمة الشباب وشوٌهت أفكاره وخلقت بداخله صراعات لا نزال نعاني منها حتي الآن، وجيلنا حتي الآن محكوم بمنطق أعضاء منظمة الشباب الستينية!
وما الذي يجبرك علي متابعتهم؟
أنا أستفيد من ذلك لأن معرفتي بهم تمكنني من معرفة نفسي جيدا، كما أنها تجنبني سككهم، بالإضافة إلي أنني أستفيد من حماسة الشبان، فأنا أقرأهم لأستفيد أولا وأخيرا، يقول جلال الدين الرومي: كل خشب يحمل رائحة ، فالشبان بالتأكيد مختلفون عنا، ودرجة الحرارة التي يكتبون بها لا تزال في عنفوانها، والقراءة لهم وهم في عنفوان مراحلهم ينقل تلقائيا هذه الحماسة، ويضيف إليك مفردات عقولهم!
هناك عودة إلي فكرة البساطة الآن في الأعمال الروائية، وأنت تحدثت قبل الحوار عن وصايا إيتالو كالفينو وأهمها فكرة البساطة، في وجهة نظرك هل العودة إلي البساطة به نوع من الحنين إلي الكلاسيكية؟ قبل أي شيء ينبغي القول إن الكتابة ببساطة شيء، والاستسهال شيء آخر، معاني الوضوح والخفة والبساطة مطاطة، وأنا أحذر منها، ولذلك لا بد أن تدرس أكاديميا، الآن لا أري إلا التسطيح، والتعثر، تعثر الشبان، تجاربهم بها رغبة في عمل شيء، ولكنهم يقعون في أخطاء ناتجة عن الجهل، وقلة الثقافة، أو عدم الموهبة، ويهمني أن أنصحهم بأن يكتبوا ببساطة، والبساطة لا تأتي إلا من خلال تجربة ناضجة، والحكمة والخبرة لا يتأتيان إلا مع الأيام، حيث تزداد اللغة نضوجا وكثافة، وتعرف كيف تستطيع التعبير عن أشياء ومعان كثيرة بكلمات قليلة، وللأسف من الشبان من يكتب وفقا لانفعاله دون أن يقيٌد نفسه بأمر ما، لا بتكنيك ولا بطريقة في الكتابة ولا بأي شيء..
بعض الشباب يؤكد أن الفضل في منجزهم يعود إلي الغرب، بمعني أنهم لا يدينون إلي أعمالكم، وبمعني آخر أن هناك قطيعة بين ما تكتبونه وبين ما يكتبونه..ما رأيك؟
هذا غير صحيح علي الإطلاق، وهو ادعاء لكل الأجيال، القطيعة لا تجوز ولا يمكن أن تتحقق فعليا، أنت لا تستطيع أن تتخلص من تأثير أحد بشكل نهائي، لأنك بهذا المعني تقول أنك تستطيع أن تتخلص من تراث، ولكن تستطيع أن تموٌه علي نفسك، وتقنع ذاتك بأنك مختلف عن الآخرين، ومع هذا ستجد أنك دون أن تدري تستخدم لغة السابقين ومنجزاتهم، فبدونها لا تستطيع أن تفعل شيئا، إلا بعد تجارب عديدة تستطيع فيها أن تكوٌن ملكاتك الخاصة، ولكن في كل الحالات لا تحدث القطيعة إطلاقا..
ومن هو الكاتب الشاب الذي تعتبره امتدادا لك؟
الشاب الذي أعتبره امتدادا لي، وأفخر به هو من يستطيع أن يقدم ما لم أستطع التعبير عنه، ولكن أتحفظ علي من يحاكون تجارب السابقين..
قلت مرة أن الشاب لا يستطيع أن يتخلص من تأثيرات الآخرين وتعود الآن لتتحفظ علي ذلك..ما الصحيح؟
في بداية الحياة الفنية لا يكون مطلوبا التخلص من التأثيرات بشكل نهائي، بل الاستفادة بها لخلق الأدوات والعوالم الخاصة، العوالم أكثر اتساعا من أن يحتجزها كاتب لنفسه..
ولكن هناك صعوبة كبيرة في أن يكون هناك كاتب امتدادا لك، فأنت دائما ما تعلن أن الجدد يلعبون في الملعوب فيه !
أنا أكتب عن عالم القاع والمهمشين، ومن الممكن أن يخرج كاتب آخر أقرب إلي هذا العالم مني، وتكون عدسته ثاقبة ولغته أكثر إيجازا وإيحاء وفي هذه الحالة أنا أرحب به..
هناك كتاب من الستينيات مثل إدوار الخراط يحملون كل قصاصة يكتبونها أو تتم كتابتها عنهم، ولكنك لم تهتم بهذا علي الإطلاق وأضعت معظم أرشيفك..لماذا؟
كنت بلا بيت لفترة طويلة جدا، وكان لي أكثر من عشرة أصدقاء في القاهرة وضواحيها، غالبا كنت أترك حقيبة عند كل واحد منهم، لأن الحقيبة كانت تتحول إلي عبء ثقيل، وعندما كان أحدهم يستضيفني لمدة ليلة كنت أطلب إليه أن أترك الحقيبة، وقد احتفظ بعضهم بها والبعض تخلٌص منها، وحينما كان يتوفر المال معي كنت أقيم في غرفة بسطوح إحدي البنايات المكونة من سبعة أدوار، ولم تكن هذه الغرفة تحتوي سوي علي سرير واحد، كنت أعلق ملابسي علي عواميده، وفي ظل تلك الظروف لا يستطيع الفرد أن يفكٌر في التأريخ لنفسه، لأنها كانت مرحلة من الضياع الكامل.
